“الشرق الأوسط”: واشنطن تتفهم دوافع باريس وراء ورقتها للتهدئة جنوبًا وإشارات قضائية ونقدية “تنعش” مقاربات التعافي
لفتت صحيفة “الشّرق الأوسط”، إلى أنّ “المفاوضات بين فرنسا ورئيس المجلس النيابي نبيه بري لتهدئة الوضع في الجنوب، تدخل مرحلة جديدة، مع تسليمه اليوم السفارة الفرنسية في بيروت، الملاحظات التي أعدها “الثنائي الشيعي” (حركة أمل وحزب الله) بالتنسيق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على الورقة الفرنسية بنسختها الثانية، التي تنطلق من تطبيق القرار الدولي 1701، كونه الممر الإلزامي لإعادة الاستقرار بوضع حد لتصاعد المواجهة العسكرية بين “حزب الله” وإسرائيل، شرط التوصل إلى وقف لإطلاق النار على الجبهة الغزاوية؛ لأن من دونه لا يمكن الركون للجهود الرامية إلى منع جنوح إسرائيل نحو توسعة الحرب جنوباً”.
وعلمت “الشرق الأوسط” من مصادر سياسية مواكبة للاتصالات التي تولاها بري، أن “الملاحظات على مسودة الورقة الفرنسية بنسختها الثانية، التي صيغت باللغة الإنجليزية، أُنجزت الجمعة الماضي، في ختام اللقاءات التي عُقدت بين المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل، ونظيره المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسين خليل، بتواصلهما المفتوح بميقاتي؛ قبل أن يغادر بيروت في زيارة خاصة”.
وكشفت المصادر السياسية أنّ “الملاحظات تأخذ في الحسبان ضرورة اعتماد القرار 1701 كإطار عام لتهدئة الوضع في الجنوب”، مشيرةً إلى أنّ “لا مكان للترتيبات الأمنية، لئلا يذهب البعض للتعاطي معها على أنها مقدمة لتعديل هذا القرار، وهذا ما ينسحب أيضاً على تشكيل لجنة رباعية للإشراف على تطبيقه، وحصر هذه المهمة بلجنة ثلاثية تتشكل، كما هو حاصل الآن؛ من قيادة القوات الدولية “يونيفيل” ومندوبين من لبنان وإسرائيل”.
وعن موقف الولايات المتحدة الأميركية من المسودة الفرنسية المطروحة للتفاوض، أكّدت “عدم التواصل معها، على الأقل من الجانب اللبناني، منذ أن تسلم لبنان الورقة الفرنسية بنسختها الأولى”، متسائلةً: “ما المغزى من حرص باريس على تسليمنا النسخة الثانية باللغة الإنجليزية؟ وهل أرادت تمرير رسالة يُفهم منها بأنها أعدتها بالتشاور مع واشنطن، خصوصاً أن ميقاتي، كما علمت “الشرق الأوسط” كان سأل لدى تسلُّمه النسخة الأولى عن الموقف الأميركي، وربما أتاه الجواب بإعدادها باللغة الإنجليزية؟”.
في هذا السياق، ركّزت مصادر دبلوماسية غربية للصحيفة، على أن “باريس حرصت، قبل أن تعد ورقتها الأولى، على التشاور مع واشنطن، التي أبدت تفهُّماً للدوافع التي أملت عليها التحرك سعياً وراء تهدئة الوضع في الجنوب لقطع الطريق على إسرائيل التي تجنح لتوسعتها، وأكدت أن ذلك يشكل نقطة تقاطع والتقاء بينهما”.
وشدّدت على أنّ “باريس تبدي اهتماماً خاصاً بالوضع في لبنان، وتقوم بكل ما بوسعها لتهدئة الوضع في جنوبه، ولإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم بانتخاب رئيس للجمهورية”، مبيّنةً أنّ “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتابع شخصياً الوضع من كثب، وهو أوفد ممثله الشخصي جان إيف لودريان إلى بيروت، في مهمة خاصة لحث النواب على إنهاء الشغور في الرئاسة الأولى، وهذا ما تصدّر استقباله للرئيس السابق لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط”.
وأكدت المصادر نفسها أنّ “لبنان يعني الكثير لفرنسا ولن تدعه ينهار، وهي تتحرك على كل المستويات لإنقاذه”، لافتةً إلى أنّ “واشنطن تتفهم الدوافع الفرنسية الكامنة وراء الورقة التي أعدتها لتهدئة الوضع في الجنوب، والتي تشكل، من وجهة نظرها، خريطة الطريق لمنع تدحرجه نحو الحرب، رغم أن “حزب الله” ليس في وارد الانجرار إليها”.
كما سألت المصادر اللبنانية المواكبة، عبر “الشّرق الأوسط”، “هل تتفرّد باريس بالتحرك جنوباً؟ وأين تقف واشنطن؟ وماذا عن المهمة التي أوكلتها إلى مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين، في تنقله بين بيروت وتل أبيب، لتعبيد الطريق سياسياً وعسكرياً لتطبيق القرار 1701، قبل أن يجمَّد تحركه ريثما تنجح الوساطة الأميركية- المصرية- القطرية لوقف إطلاق النار في غزة باتفاق بين إسرائيل وحركة “حماس”؛ تتولى رعاية تطبيقه كشرط لمعاودة الوساطة؟ وهل تنخرط باريس في الوساطة الأميركية؟ أم أنها تتحرك في الوقت الضائع لملء الفراغ، رغبة منها في أن تحجز لها مقعداً في الجهود الرامية لتهدئة الوضع في الجنوب لما يعنيه لها لبنان، خصوصاً أنها لا تضع نفسها في سباق مع واشنطن؛ التي ستطلق الضوء الأخضر لهوكستين لمعاودة تحركه بين بيروت وتل أبيب فور التوصل إلى وقف إطلاق النار على الجبهة الغزاوية؟”.
إشارات قضائية ونقدية “تنعش” مقاربات التعافي في لبنان
على صعيد منفصل، ذكرت صحيفة “الشّرق الأوسط”، أنّ “مراكز القرار المالي والنقدي في لبنان تشهد حراكاً لافتاً على المستويين الحكومي والإداري، يؤمل أن يفضي إلى وضع خريطة طريق محدثة للخروج من دوامة الأزمات وتداعياتها”.
وكشفت معلومات خاصة لـ”الشّرق الأوسط”، أنّ “التحول النوعي المتمثل بوجوب إدخال تعديلات أساسية وغير ثانوية، تكفل إنعاش الخطة الحكومية الأخيرة، التي تضمنت حزمة من الاقتراحات التشريعية والتنفيذية تحت عنوان إعادة هيكلة المصارف، اكتسب دفعاً قوياً بفعل التقييم الإيجابي لفاعلية السياسات النقدية الجديدة، وإمكانية استخدامها في تصويب مسار المالية العامة، ومن ثم وضع إطار مناسب لمعالجة حقوق المودعين؛ توطئة لإعادة تنشيط الوظائف الأساسية للبنوك في مجالي إدارة الأموال والتمويل”.
ولاحظ مسؤول مصرفي كبير، عبر الصحيفة، “حدوث تبدّل جوهري في المقاربات الحكومية الخاصة بإصلاح أصول المصارف ومطلوباتها، بمنأى عن طروحات “الشطب”، التي لا يقتصر ضررها البالغ على مدخرات المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين، من مقيمين وغير مقيمين، إنما يشي بخروج غير آمن بالمطلق من “دستورية” الاقتصاد الحر وتنوعه ومرونته، لا سيما لجهة القضاء تماماً على الهياكل المصرفية التي بلغت مرحلة الهشاشة؛ جراء الأزمات النظامية المستمرة والتمادي في تأخير الخطط الإنقاذية”.
في السياق، لمس رئيس “الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب” جوزف طربيه، “الشروع بتحقيق خطوات إيجابية عديدة نحو تصحيح المسار، الأهم فيها بالنسبة للمودعين والمستثمرين، أن مجلس شورى الدولة، وهو القضاء الإداري الأعلى في لبنان، أصدر قراراً تاريخياً يلزم الدولة اللبنانية بتغطية خسائر المصرف المركزي، عملاً بالمادة 113 من قانون النقد والتسليف، وكذلك بعدم شطب ودائع المصارف لديه، التي هي في الواقع ودائع للمودعين، كما أكد أن شطب الدولة لهذه الموجبات يتعارض مع القوانين ومع الدستور الذي يحمي الملكية الخاصة؛ وكذلك يتعارض مع المعاهدات الدولية التي تحمي الاستثمار”.
ورأى طربيه أن “حزم القضاء في إقرار مسؤولية الدولة عن خسائر مصرفها المركزي والأموال التي أودعتها المصارف لديه، يشكّل إشارة حاسمة للمستقبل على استمرار أهلية لبنان كبلد حامٍ للاستثمارات، بحكم نظامه القانوني المرعي الإجراء، الذي يحفظ حق المستثمرين في أموالهم، وهذا ما يرسي الأساس الصالح لإعداد خطة نهوض حقيقية تحمي الودائع وتحفظ القطاع المصرفي، ويحول دون سيطرة الاقتصاد النقدي في البلد، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض تصنيف لبنان على صعيد مكافحة تبييض الأموال، وتعريضه للعقوبات الدولية؛ وعزله عن النظام المصرفي العالمي”.
وأفادت “الشّرق الأوسط” بأنّ “بالفعل، تعكف حاكمية البنك المركزي، وفق مصادر معنية ومتابعة، على صياغة تصنيف جديد للودائع العالقة في الجهاز المصرفي، ارتكازاً إلى الإقرار بالحقوق المتوجبة لكل المودعين، وإجراء ما يلزم من عمليات تحقّق للفصل بين شرائح الأموال المشروعة وتلك الواقعة تحت الشبهات، بما يسهم بتسريع وضع برنامج واضح وقابل للتطوير المستدام لضمان السداد المتدرج، بوسائل نقدية أو استثمارية؛ بموافقة جانبَي العلاقة أي المودع والمصرف”.