انتظار “ثقيل” يخرقه استنفار دولي وجدار صوت… الحرب النفسية في الذروة!
لم يطلق الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير في ذكرى مرور أسبوع على اغتيال القائد العسكري الكبير في الحزب فؤاد شكر، صافرة انطلاقة “الحرب الشاملة” كما بالغ الكثيرون في التوقّع، مسترجعين خطاب “أنظروا إليها تحترق” من أرشيف حرب تموز 2006، لكنّه في الوقت نفسه ترك الباب مفتوحًا أمام الردّ المنتظر، سواء بشكل فردي، أو جماعي لمحور المقاومة بشكل كامل، من طهران إلى بيروت مرورًا بصنعاء.
لكنّ الخطاب الذي أحيط بالكثير من التوقعات، التي أخذت شكلاً “دراميًا” في الكثير من أبعادها، جاء في سياق من “الذعر” تصاعد بشكل كبير في الأيام القليلة الماضية، وقد وصل إلى ذروته قبيل الخطاب بدقائق قليلة، مع خرق الجانب الإسرائيلي لجدار الصوت فوق بيروت وضواحيها بوتيرة غير مسبوقة، من حيث الشكل والحجم، الأمر الذي أثار “الرعب” لدى كثيرين، ممّن اعتقدوا أنّ قصفًا قد وقع، بل استرجع بعضهم “تروما” انفجار مرفأ بيروت.
وقبل خرق جدار الصوت بهذا الشكل غير المسبوق، وما ينطوي عليه من رسائل “حربية” إن جاز التعبير، كان الاستنفار الدولي غير المسبوق عبر بيانات السفارات التي تسارعت في الأيام القليلة الماضية كفيلاً بإحداث حالة غير مسبوقة من القلق أيضًا، باعتبار أنّ الأمر لم يعد مقتصرًا كما في السابق على التحذير والتنبيه، أو النصائح والإرشادات، بل وصل إلى حدّ إجلاء العديد من الدول لرعاياها، حتى إنّ هناك من بدأ تقديم “القروض” لتسهيل السفر.
ثمّة من يضع هذا الاستنفار، فضلاً عن خرق جدار الصوت، وغيره من المؤشرات، في إطار الحرب النفسية التي وصلت إلى ذروتها، في ظلّ ما يمكن وصفه بالانتظار “الثقيل” لرد “حزب الله”، معطوفًا على الهجوم الإيراني الذي ضُرِبت له حتى الآن العديد من المواعيد، انتظارٌ صنّفه السيد نصر الله في خطابه الأخير، “جزءًا من الرد، وجزءًا من المعركة”، فكيف تُقرَأ هذه المواجهة غير التقليدية، وهل تمهّد فعلاً لحرب مفتوحة، أو على الأقلّ، لأيام من القتال؟!
في المبدأ، ليس سرًا أنّ ثمّة حالة من القلق وعدم اليقين في المنطقة بأسرها، بانتظار ضربتي إيران و”حزب الله”، ردًا على اغتيال كلّ من رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية، والقائد العسكري في الحزب فؤاد شكر، والذي يؤكد الجانبان أنّه آتٍ لا محالة، وأنه مختلف عن كلّ ما سبق من عمليات منذ السابع من تشرين الأول، بما في ذلك هجوم 14 نيسان، في ظلّ تكهّنات كثيرة حول طبيعة هذا الردّ، وما يمكن أن يترتّب عليه على مستوى الإقليم.
وتتجلى هذه الحالة بالكثير من المؤشرات، لعلّ أهمّها الاستنفار الدولي المثير للقلق، وقد ترجم بوضوح من خلال بيانات السفارات غير المسبوقة، والتي يخشى كثيرون أن تكون أبعد من مجرّد تعبير عن “مخاوف وهواجس” من حرب قد تكون مفتوحة وطويلة، خصوصًا أنّ عملية إجلاء الرعايا لا تتمّ في العادة على وقع “المخاوف والتحذيرات”، وإن كان هناك من يضعها أيضًا في خانة “الضغوط النفسية” على الطرفين، لتفادي سيناريو الحرب.
ومن المؤشّرات التي يمكن الوقوف عندها أيضًا، طريقة تعامل إسرائيل نفسها مع موضوع الهجوم الإيراني المرتقب، وردّ “حزب الله” المُنتظَر، من حيث التكهّنات والتوقعات والتقديرات التي يحفل بها الإعلام الإسرائيلي منذ أيام، والتي وصلت لحدّ الحديث في بعض الأوساط عن إمكانية ذهاب تل أبيب إلى حدّ القيام بضربة “استباقية” في حال طال الانتظار، وكلّها عوامل تزيد من حجم القلق من السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة.
ولعلّ الوضع على الجبهة اللبنانية الجنوبية يندرج أيضًا ضمن المؤشّرات، ولو أنّ كلّ الأطراف “تفصله” عن ضربة الضاحية الجنوبية الأخيرة، والردّ المُنتظَر عليها، إذ إنّ الوتيرة المتسارعة للهجمات والعمليات على طول الخطّ الحدودي في الأيام الأخيرة ينذر أيضًا وفق العارفين، بأنّ التصعيد حاصل، ومنها ضربة ميفدون مثلاً، التي وُصِفت بالقاسية على “حزب الله”، فضلاً عن العمليات التي يقوم بها الأخير، والتي أخذت أيضًا أبعادًا جديدة.
وعلى وقع هذا الانتظار “الثقيل”، اتجهت الأنظار نحو خطاب الأمين العام لـ”حزب الله”، الذي بدا واضحًا أنّه تعمّد ترك الباب مفتوحًا على كل الاحتمالات، والذي جاءت رسائله لتخدم “الحرب النفسية” التي يخوضها الحزب منذ أشهر مع الجانب الإسرائيلي، خصوصًا لجهة التأكيد أنّ الأخير هو الذي اختار التصعيد مع لبنان، وبالتالي عليه أن يتحمّل التبعات، وبالتالي نقل المعادلة الإشكالية من طبيعة الرد، إلى “ما بعد الرد”، وهنا بيت القصيد.
يتحدّث العارفون عن أكثر من “بُعد” برز في الخطاب، ينطلق أولها من “الهدوء” الذي استغربه كثيرون في نبرة السيد نصر الله، بعيدًا عن اللهجة “الحماسية” التي اعتادوا عليها في مثل هذه الخطابات، وهو “هدوء” فُهِم في بعض الأوساط، رسالة “طمأنة” بأنّ سيناريو الحرب الشاملة لا يزال مُستبعَدًا، بصورة أو بأخرى، ولا سيما أنّ الرجل حرص على تكرار “ثابتة” أنّ الحزب يدرس ردّه، بتأنٍ وتروٍ، وليس بطريقة انفعالية أو متسرّعة.
وقد تجلّى هذا “الهدوء” أيضًا في بُعدٍ آخر من الخطاب، بدا محاولة “تبرير”، إن جاز التعبير، للتأخّر في الرد، وهو ما تعمّد الأمين العام لـ”حزب الله” القول إنّه “جزء من الردّ ومن العقاب”، مستندًا في ذلك إلى أنّ كلّ إسرائيل باتت تقف اليوم على “رِجل ونصف”، بل على “رِجل وربع”، تاركًا “الغموض” سيّد الموقف في الحديث عن طبيعة الرد، خصوصًا بتأكيده أنّ فرضية “الرد الجماعي” من كامل محور المقاومة، وليس من كلّ طرف على حدة، قائمة.
أما البعد الأهمّ من الخطاب، فيبقى بالتأكيد المتوقع على “حتميّة” الرد، ولكن أيضًا على “نوعيّته”، إذ كان السيد نصر الله حريصًا على القول إنّ أحدًا لا يمكنه أن يتوقّع أن يكون الرد “طبيعيًا” في سياق المعركة القائمة منذ الثامن من تشرين الأول، وأنّ العدوان على الضاحية لا يمكن السكوت عليه “أيًا تكن العواقب”، ولعلّ الرسالة الجوهرية تكمن هنا، بأنّ الحزب لن يتوانى عن ضرب أيّ هدف يراه مشروعًا، بناءً على ضوابط الخوف من ردّة الفعل الإسرائيلية.
بمعنى آخر، ما يُفهَم من كلام نصر الله، ولا سيما من جزئية “أيًا تكن العواقب”، هو أنّ “حزب الله” ليس معنيًا بتوسعة الصراع، والذهاب إلى الحرب، ولكنّه في الوقت نفسه، ليس مسؤولاً عن “الرد على الرد” الذي يمكن أن تلجأ إليه إسرائيل، فالأساس بالنسبة إليه أنّ العدوان على الضاحية لا يمكن، ولا يجب أن يمرّ، أما مرحلة “ما بعد الرد” فتبقى برسم إسرائيل نفسها، التي بادرت إلى التصعيد في المقام الأول، وهي وحدها القادرة على احتوائه وإنهائه، إن أرادت!.