بدون تصنيف

كلمة منسّق عام جبهة العمل الإسلامي في لبنان سماحة الشيخ الدكتور زهير الجعيد* في الذكرى الخامسة عشرة على رحيل رئيسها ومؤسّسها الداعية الكبير سماحة الشيخ الدكتور “فتحي يكن”

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد
من الصعوبة بمكان أن أقف للحديث عن رجل بحجم الداعية والمفكر والمرشد الإنسان الدكتور فتحي يكن رحمه الله.. والأصعب أن تستطيع أن تجمع خصاله العلمية والروحية والدعوية والسلوكية والأخلاقية والعملية في بضع كلمات وإن كانت لا تسعها مجلدات، فقد جمعت فيه رحمه الله تعالى قيم جعلت منه قائداً عصياً على النسيان، فهو الداعية والمفكر، ورؤاه التي تناولتها بصيرته تؤكدها الحوادث وتثبت الأيام صحة ما كان يقول.
هو العالم الوحدوي بحق، فهو من آمن بأن الإسلام أوسع من أن تحتكره فئة أو يتقوقع لعصبية أو يُختصر بمذهب، فأيقن بأن وحدة المسلمين عزة للإسلام وأهله وأنها التي تحقق العزة والسؤدد وتعيد أمجاد الأمة إلى عصرها الذهبي. لذا فهو لم يألو جهداً منذ تشكل وعيه المبكر وانخراطه في العمل الدعوي والتبليغي وحمله للرسالة النبوية في جمع الكلمة ورص الصفوف خدمة للأمة من خلال ترسيخ العقيدة الإسلامية الصافية البعيدة عن الغلو والتطرف، وشحذ النفوس تعبداً لله وتقوية للمجتمع في مواجهة الفتن والمؤامرات، وحث الأمة جمعاء على التمسك بالقضية الأولى فلسطين وإحيائها في كل اجتماع أو لقاء أو مؤتمر أو ندوة، وحث الشباب على الجهاد في سبيل الله ومقاومة العدو الصهيوني، وأن الجهاد والمقاومة هما السبيل الوحيد من أجل تحريرها كاملة وتحرير مقدساتها الإسلامية والمسيحية من دنس ورجس الاحتلال الصهيوني.
ومن منا لم يقرأ كتابه ماذا يعني انتمائي للإسلام الذي خطته أنامله عن قلب مؤمن بالإسلام الصافي الموحد بعيداً عن المسائل الخلافية، فكان هذا الكتاب ألف باء الحركة الإسلامية الذي ينشأ من أراد الانتماء لهذه الحركة على القواعد التي أرساها.
كما وأثرى المكتبة الدعوية الإسلامية بكثير من المؤلفات والبحوث والمقالات التي ترجمت لعدة لغات عالمية يضيق هذا المقام عن تناولها مفصلة.
وسارع منذ البدايات لتحويل هذه الرؤى التي يؤمن بها إلى مشروع إسلامي عملي فأسس مع إخوانه الذين يتوافقون معه الرأي الجماعة الإسلامية متأثراً بفكر ونهج الشهيد الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى.
وإن تجربته التشريعية والقانونية عبر البرلمان اللبناني كرئيس لكتلة الجماعة الإسلامية مشهودة ومثار إعجاب وخاصة أنها كانت تجربة جريئة بعد مخاض داخل الحركة الإسلامية بجواز أو عدم جواز دخول البرلمانات التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية فكان القرار الصائب والمقدام في خوض الانتخابات والنجاح فيها والتفرغ للعمل البرلماني تاركاً مسؤولية الأمانة العامة في الجماعة حينها.
ومما لا شك فيه أن الانتصار الكبير للمقاومة عام 2000 وتحرير معظم الأراضي اللبنانية وخروج العدو الصهيوني مهزوماً مدحوراً دون قيد أو شرط، وهذا بفضل جهاد المقاومين من كافة الأحزاب والقوى وفي طليعتهم المقاومة الإسلامية – حزب الله.. والمقاومة الإسلامية – قوات الفجر التي كان الداعية يكن من أكبر الداعمين لها ولعملياتها إضافة لتبنيها ودعمها من الحرس الثوري الإيراني والذي طالما أعلن قائدها الحاج عبد الله الترياقي ذلك صراحة ودون مواربة، ونتيجة للوحدة والالتفاف والاحتضان الشعبي للمقاومة من أغلبية الشعب اللبناني. وبعد فشل الاحتلال الأمريكي للعراق في تحقيق غايته الأساس بإيقاع الفتنة بين المسلمين، ومقاومة الشعب العراقي له، فقام بحياكة المؤامرات وكان أشدها اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله تعالى لتحقيق أمور عدة عبر استغلال دمه من خلال الزلزال الكبير الذي أحدثته عملية الاغتيال:
١- ضرب الخيار العربي القومي الذي تبناه اللبنانيون من خلال اتفاق الطائف عامة، وإقصاء أهل السنة والجماعة عن العمل المقاوم وإلحاقهم بالمحور الأمريكي وأدواته في لبنان تمهيداً لمشروع الاستسلام والتطبيع في العالم العربي والإسلامي.
٢- ضرب الوحدة الإسلامية وإيقاع الفتن المذهبية والطائفية إضعافاً للمقاومة ولاحقاً لإنهاء القضية الفلسطينية.
٣- إخراج سوريا من لبنان وما تمثله من خيار عربي ممانع ومقاوم تمهيداً لهيمنة أمريكا وحلفائها بشكل كامل وتام على هذا البلد.
وفي ظل هذه الأجواء الداكنة بادر المرحوم يكن مع ثلة قليلة من إخوانه المخلصين انطلاقاً من المسؤولية الشرعية والتزاماً بالثوابت الوطنية إلى تأسيس جبهة العمل الإسلامي لتكون صوت الوحدة والتلاقي والمقاومة في الوقت الذي تخلى فيه الكثيرون عن خيار المقاومة والقضية الفلسطينية نتيجة للبث الإعلامي الفتنوي الحاقد. وكان تأسيسها رداً عملياً على كل مشاريع الفتنة وهذا ما تم تكريسه من خلال العلاقة الأخوية المميزة بين الدكتور فتحي يكن وسماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي كان يبدي في كل لقاء يجمعهما كل ود واحترام وتقدير للراحل الكبير، وكانت صلاة الجمعة الجامعة في ساحة الشهداء التي تم الاتفاق على إقامتها بين الرجلين بإمامة الداعية يكن وحضور عشرات الآلاف من السنة والشيعة يتقدمهم العلماء من الطرفين هي الرد العملي والساحق على المشروع الفتنوي والتي آتت أكلها بوأد الفتنة وإطفاء لهيبها في تلك الحقبة فكان بحق إمام الوحدة الإسلامية.
وأما في موضوع المقاومة فقد اقترح الدكتور فتحي على سماحة السيد في أحد اللقاءات الأخيرة بينهما أن تكون هناك قيادة موحدة وغرفة عمليات مشتركة لكل من يؤمن بالعمل المقاوم ويريد الانخراط فيه فعلياً دون الالتفات لدينه أو مذهبه أو انتمائه الحزبي أو العرقي فلاقى هذا الاقتراح ترحيب سماحة السيد وطلب منه إعداد مشروع متكامل لهذا الطرح، ولكن المنية عاجلته قبل إتمام المشروع، فكان بحق بشمولية نظرته للمقاومة إماماً للمقاومين. وها هو حلمك قد تحقق من خلال وحدة كل الفصائل المقاتلة ضمن محور المقاومة ووحدة الساحات التي تجلت في أبهى صورها بمعركة طوفان الأقصى.
ختاماً: من المعلوم لدى الجميع أن جبهة العمل الإسلامي التي كانت آخر وديعة للدكتور فتحي يكن بنيت على أركان أربعة:
١- الوحدة الإسلامية مصداقاً لقوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
٢- تبني قضية فلسطين ونصرة أهلها وعدم الاعتراف بالمحتل والعداء المطلق والدائم للصهيونية.
٣- الجهاد والمقاومة هما خيار الأمة الوحيدان لتحرير الأرض والمقدسات وعدم المساومة على حبة تراب من أرض فلسطين المقدسة وبلادنا العربية ورفض كل أشكال اتفاقات العار والذل والتطبيع مع هذا الكيان المؤقت.
٤- رفض واستنكار ومواجهة كل الطروحات التكفيرية والأعمال الإرهابية والأفعال والأقوال الفتنوية، فالإسلام دين الله وهو مظلة لكل المسلمين دون تفرقة.

من هنا ومن المفاهيم التي أرساها فينا الدكتور فتحي يكن كنا رافضين بجرأة للمؤامرة في سوريا ووقفنا في وجه الإرهابيين والتكفيريين لأننا كنا نرى بعيون الداعية يكن أن ما يحدث هو مؤامرة لضرب الدور المحوري المقاوم لسوريا، والقضاء على قوى المقاومة المرابطة على تخوم فلسطين.
وفي الذكرى الخامسة عشرة لرحيلك نعاهدك أيها القائد المعلم بأن نسير على نهجك جميعاً في هذه الجبهة متحدين وأن نعمل على ما كنت ترنو إليه.
* سنبقى في خط المقاومة وجزء أساسي منها وبشراكة مع رأسها حزب الله وضمن محورها الممتد من فلسطين إلى طهران مروراً بسوريا والعراق واليمن ما أظلم ليل وأشرق نهار.
* سنبقى رافعين للواء الوحدة الإسلامية إيماناً منا بأنها تكليف إلهي وأنها سبيل الانتصار.
* ستظل القضية الفلسطينية أولى أولوياتنا ولن نساوم قيد أنملة عليها وأن فلسطين كل فلسطين من بحرها إلى نهرها بكل حبة تراب منها يجب أن تحرر بالجهاد والمقاومة.
* سنقف في وجه الفتن المذهبية والطائفية والقومية وسنحارب الإرهاب والتكفير وكل من يقف وراءهما.
* سنحافظ على هذه الجبهة وخطها ونهجها ومسيرتها واحدة متحدة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *