لازاريني في أخطر موقف: حملة خبيثة على “الأونروا” للقضاء على عملها… وإسقاط صفة اللجوء
سلسلة من المواقف السياسية عالية النبرة، أطلقها المفوض العام لوكالة “الأونروا” فيليب لازاريني خلال أيام قليلة وحذر فيها من “الحملة الخبيثة” الرامية إلى القضاء على عمل الوكالة، وصولا إلى تجريد الفلسطينيين من صفة اللجوء، داعيا إلى توفير الحماية للدور الذي نقوم به في مجالات توفير الخدمات الحيوية، وحماية حقوق للاجئين، والالتزام بعملية سياسية حقيقية تكتمل بالتوصل إلى حل يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين.
وكشف لازاريني أن قوات الاحتلال الإسرائيلية باشرت بتدابير تشريعية وإدارية لإجلاء “الأونروا” من مقرها الرئيس في القدس الشرقية، ومنع عملها داخل “إسرائيل”، إضافة إلى مساع لإنهاء عملياتها في غزة”، معتبراً أن الدعوات الحالية لإغلاق الوكالة لا تتعلق بالامتثال للقواعد الإنسانية، وإنما بمحاولة إنهاء وضع اللجوء (إسقاط صفة اللجوء) لملايين الفلسطينيين”.
ولم يخف لازاريني خشيته من أن الرضوخ لطلب إسرائيل حلّ الوكالة من شأنه أن يفاقم المجاعة في غزة، ويدفع بجيل من الأطفال إلى “اليأس” وبالتالي تأجيج “دوامات عنف لا تنتهي”، وأكد أن آثارا خطيرة على السلم والأمن الدوليين ستترتب على ما وصفها بهذه الحملة الخبيثة الرامية لإنهاء عمل الوكالة”، مشيرا إلى أن إسرائيل حولت غزة إلى منطقة “غير واضحة المعالم” خلال الحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول 2023.
وقد أرخت مواقف لازاريني بظلالها على القوى السياسية وأبناء المخيمات، التي أكدت أن حصار الوكالة مالياَ (بعد تعليق عدد من الدول المانحة لمساعداتها المالية على خلفية اتهام 12 موظفا فيها بالمشاركة أو تأييد عملية طوفان الأقصى)، ما هي إلا ذريعة لتحقيق هذا الهدف الذي بدأ يظهر بوضوح استكمالا لخطط سابقة لتصفية القضية الفلسطينية، وآخرها “صفقة القرن” التي أطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بهدف إسقاط صفة اللجوء وتقليل عدد اللاجئين من جهة، وشطب حق العودة من جهة أخرى ما يعني فرض التوطين في الدول التي تستضيف اللاجئين أو دفعهم نحو التهجير”.
ووصف مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين الكاتب علي هويدي في حديث خاص لـ”النشرة”، أن موقف لازاريني متقدم ومرحب به لأنه يدق ناقوس الخطر من أن “الأونروا” تتعرض لخطر جدي وحقيقي ويدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لمنع المزيد من الاستهداف للوكالة وحماية دورها لما له من تداعيات سلبية على المستوى السياسي والأمني والإنساني”.
وقال هويدي، “إن مواقف لازاريني رسالة بالغة الأهمية للمجتمع الدولي للحفاظ على الوكالة ودورها، خاصة أنه أدلى بها أمام مجلس الأمن الدولي للمرة الأولى، وليس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما فعل في مرات سابقة أو من على منابر أخرى، ما يرفع مستوى الخطورة التي تتعرض له مع التأكيد من أنه لا أي منظمة دولية أو غيرها يمكن أن تحل مكان “الأونروا” لما لها من أهمية سياسية في استقرار المنطقة.
وأضاف هويدي، “لقد كان لازاريني واضحا وحاسما في الدعوة إلى استمرار دور “الأونروا” حتى إيجاد حل سياسي أو يتحقق السلام المنشود، ونحن نؤكد معه على أهمية ذلك واستمرارها بتقديم خدماتها إلى اللاجئين لحين عودتهم إلى ديارهم، إذ لا يُوجد الحل العادل إلا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحق العودة، وأنه لا تراجع عن مطالبنا نحن كلاجئين فلسطينيين عن استمرار الوكالة ودورها وتقديماتها، لما لها من أبعاد سياسية دولية، بخلاف أي منظمة أممية يمكن أن تستبدل بها في المستقبل لأن هناك علاقة عضوية وإستراتيجية بين الأونروا واللاجئين”.
محاولة نزع الشرعية
ويؤكد عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الديمقراطية” فتحي كليب لـ “النشرة”، أن الهجوم على “الأونروا” ليس جديدا، ولكنه الأعنف والأخطر منذ ثلاثة عقود، حيث امتد إلى كل تفصيل يتعلق بها سواء على مستوى البرامج والسياسات أو على مستوى الموظفين والمنشآت. ويبدو أن التحريض بات يحتل موقعا متقدما في السياسة الإسرائيلية، حتى وإن كان مُضلّلا ولا يفتقر إلى المصداقيّة، لكن الرسالة هي بجعل هذه المنظّمة الدولية موضع تشكيك دائم لإضعاف الثقة الدولية بدورها تمهيدا لنزع مكانتها السياسية والقانونية التي يتأسس عليها حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
وقال كليب “المفوض العام لازاريني في مواقفه الأخيرة، خلال جلسة مجلس الأمن الذي توقف أمام ما تتعرض له الوكالة من مخاطر وتحديات، أكد وهو محق بذلك أن الهدف من الضغوط الإسرائيلية-الأميركية هو نزع الشرعية عن الوكالة ورفع الغطاء الذي ما زالت تحظى به، وهذا ما حصل في جلسة الأمن عندما كررت دول العالم دعمها السياسي لها ولدورها الهام والرئيسي ليس في قطاع غزه فقط، بل ولجميع اللاجئين الذين يتجاوز عددهم عدد سكان إسرائيل نفسها.
وشددَّ على أن الحرب على الوكالة هي جزء من حرب شاملة على كل الشعب الفلسطيني بهدف وضعه أمام أحد خيارين: أما أن توافقوا على ما تريده “إسرائيل” ومن خلفها الولايات المتحدة، سواء بتحديد أوجه الإنفاق أو رسم السياسات العامة للوكالة، حتى لو كان مناقضا لتفويض الجمعية العامة ومع الحقوق الوطنية للاجئين، أو أنكم ستكونون أمام وكالة مفلسة خالية من الأموال، وبالتالي فهي حرب شاملة اقتصادية وتعليمية وصحية وإغاثية. لذلك فإن مشروع إلغاء الوكالة بشكل تدريجي يجب أن يترافق مع رد فعلي سياسي وشعبي فلسطيني بحجم هذا الخطر، لأن سياسة الشكوى والاحتجاج لم تعد تجدي نفعا، وبتنا بحاجة فعلية إلى تحركات غير تقليدية.
“الأونروا” شاهد سياسي
ورأى مسؤول ملف “الأونروا” لحركة “الجهاد” الإسلامي في لبنان جهاد محمد، في حديث خاص لـ”النشرة”، أن ما تحدث به لازاريني كان مهما وكشف بشكل واضح عن حجم المشاريع التي كانت وما زال يجري العمل عليها في السر والعلن ضد الوكالة بهدف إنهاء عملها ودورها الأساسي والمحوري في خدمة اللاجئين الفلسطينيين وما زالت هذه المشاريع قائمة وبوتيرة أكبر اليوم، بدءاً من اتفاق “أوسلو”، مرورا بصفقة القرن الأميركية وصولا إلى طوفان الأقصى”.
وقال محمد ان “ما أعلنه لازاريني يعكس مخاوف حقيقية من محاولات سياسية لتقويض دور هذه الوكالة الحيوي لما تمثله من بعد سياسي للقضية الفلسطينية وقضية اللاجئين وإن دعوته إلى توفير الحماية للدور الذي تقوم به، يؤكد على أهميته، فيما تحذيراته من المساعي الرامية إلى “تجريد الفلسطينيين من صفة اللجوء” يعكس المخاوف من وجود محاولات لنزع هذه الصفة عنهم، وهو أمر له انعكاسات سياسية وقانونية خطيرة، وهو ما يسعى إليه الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية التي حاولت تمرير مشروع قرار لإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني.
وأضاف محمد “إننا في حركة الجهاد الإسلامي نؤكد على تمسكنا بالوكالة كضامن وشاهد سياسي على نكبة الشعب الفلسطيني بناء على قرار إنشائها رقم 302، وبالتالي لا يحق لأي جهة اللعب أو تغيير هذا القرار إلا في حالة وحيدة وهي عودة كافة اللاجئين إلى ديارهم، حينها ينتفي سبب بقائها بشكل تلقائي، وان أي تغيير في هذا القرار سينعكس عدم استقرار في المنطقة في ظل تمسك اللاجئين الفلسطينيين بحقهم المقدس في عودتهم إلى أراضيهم التاريخية فلسطين التي هجروا منها.