المؤتمر الدولي الأول للنساء المؤثرات في طهران: المرأة الإيرانية الرائدة في مختلف جوانب الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
د. رزان بركات*
قال تعالى: (ومن يعمل صالحاً من ذكرٍ وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) صدق الله العظيم.
انطلاقاً من هذه الآية الكريمة التي تؤكد على أهمية وفاعلية ومؤثرية المرأة المسلمة، وفي عبق المؤتمر الدولي الأول للنساء المؤثرات الذي انعقد في طهران، والذي تشرفت بحضوره والمشاركة فيه وبفعالياته، نرى أن الله سبحانه وتعالى قد أنصف المرأة أيّما إنصاف، فهو شملها مع الرجل بالحياة الطيبة حال الإيمان والعمل الصالح، والحياة الطيبة تعني مشاركة المرأة في كل جوانب الحياة، وفي كل المجالات المتاحة لإعمار هذا الكون كما أمر الله ورسوله وشريعة الإسلام، بل وكل الشرائع التي سبقت والتي كما ديننا الحنيف أعطت الأهمية البالغة والمؤثرة للمرأة في صناعة القرار، وفي تربية الأجيال والناشئة، وحتى في صناعة الرجال.
واللافت أن مفجر الثورة الإسلامية الإيرانية وقائدها ومرشدها سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس سره) قد التقط هذه اللطيفة الربانية الرائعة والمدهشة فقال رحمه الله تعالى: “المرأة كالقرآن كلاهما تكفل في صنع الرجال”.
كم هو مبهر هذا التشبيه من الإمام الخميني لتأثير المرأة على دور الحياة الدنيوية والأخروية، وقيمتها الإنسانية والعملية والنفسية والمعنوية، ولقد أخبرنا رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم: “النساء شقائق الرجال”، أي أمثالهم ونظائرهم في الخلق والطباع، فكأنهن شققن من الرجال؛ وكذلك في الوصايا والتكاليف، وفي كل أمر ونهي.
ولعله في أيامنا الصعبة هذه أضحى للمرأة أيضاً مشاركة فعالة في تأمين تكوين الأسرة والمشاركة مع الرجل في تحمل التزامات الحياة وتحدياتها، والتي تفوقت فيها المرأة بحكمتها وحنكتها ومرونتها، ولقد مر بتاريخنا نساء خالدات كان لهن دور بارز في صناعة التاريخ والتأثير به كأمثال: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد (أم المؤمنين)، وفاطمة بنت محمد (الزهراء وسيدة نساء العالمين). فقدمن لنا الدروس الهامة والفريدة في تاريخ الإنسانية في العلم والتعلم والرعاية والنصيحة والتكافل والتكامل والصبر والعفة والطاعة وحمل المسؤولية والعمل والسعي لرعاية حمل الرسالة السماوية والإستعانة بالله على عظائم الأمور ومجريات الأحداث.
وها هي المرأة في إيران وبمشاهدة العين ومن خلال زياراتي ومشاهداتي الواقعية قد سطرت هذه المرأة أرقى المراتب في القدوة والأسوة الحسنة، فهي التي تعيش الوعي والصبر وتتحلى بالحنكة والوعي وتحمل المسؤولية على عاتقها وتتحمل المصاعب والمصاب ومواجهة التحديات وتقبض على دينها وتتمسك به وبتعاليمه، محبة ووحدوية ومتواضعة، تقف صلبة في وجه مؤامرات الأعداء وكيد من يفترض انهم الأشقاء، ثماماً كما كانت السيدة زينب عليها السلام.
إنها المرأة التي جبلها الله وكونها صانعة للحياة وصانعة للرجال، فهي العالمة اليوم والمثقفة والطبيبة والمربية، وهي الأكاديمية والباحثة السياسية والمحللة التربوية والنفسية والاقتصادية، وهي المشاركة في كيفية حل المشكلات وإيجاد العلاج المناسب لها، إنها المرأة الإيرانية القادرة والمتفهمة لحقائق الأمور، المرأة التي تربت في كنف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعاشت وحملت وما زالت أولويات الثورة وثوابتها ومبادئها، وتربت في كنف وتوجيه ورعاية الإمام القائد المرشد سماحة آية الله السيد علي الخامنئي (حفظه الله).
وأعداء الجمهورية الإسلامية اليوم يعملون ليل نهار يائسين ويحاولون بخبث استغلال المرأة وكسب ودها والتسلل من خلالها تحت حجج واهية خادعة ضعيفة لا تأثير لها في واقع الحال على سير الحياة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورغم كل محاولات التزييف والتشويه والافتراء والكذب الإعلامي باستغلال قضية الحجاب وادعاءات المعاملة السيئة، ولكن ومن خلال مشاركتي بمؤتمر المرأة المؤثرة ومشاهداتي الحية واختلاطي بالشعب الإيراني في الأسواق وفي الزيارات للعتبات المقدسة، فعلى عكس ما يصوره الإعلام الغربي والمعادي، فإن كرامة المرأة في إيران محفوظة ومحفورة على الجبين، وهي تعيش حياة العدالة والمساواة والإستقرار والتعبد والطاعة كما أمر الله في كتابه المبين، وهي بطواعية كاملة تحيا الحياة الطيبة الكريمة السعيدة متمسكة بدينها وقيمها وتقاليدها بعيداً عن مغريات الحياة وكيد الأعداء ومؤامرات المنافقين.
إن المرأة الايرانية اليوم باتت تدرك ومنذ بدايات الثورة ونجاحها أن التحديات جسيمة وكبيرة وصعبة وليست سهلة، وانها عليها تحمل المسؤوليات الصعاب والجسام، وتقدم العطاء الكامل لمواجهة كل التحديات. باختصار شديد المرأة هي نصف المجتمع وهي التي تربي وتساند وتدعم النصف الآخر.
ولا ننسى دور المرأة الإيرانية في وقوفها إلى جانب الحق ونصرة المظلومين والمستضعفين في كل مكان من هذا العالم وتبنيها لكل القضايا العادلة، وكذلك رأيناها في دفاعها المستميت عن مبادئ ثورة الإمام الخميني (قدس سره) وقيم الجمهورية الإسلامية في وجه المؤامرات الحاقدة الداخلية والخارجية، ورأيناها أيضاً في خندف المقاومة وناصرة ومتبنية للقضية الفلسطينية وداعمة لها ومتضامنة معها ومع الشعب الفلسطيني المضطهد والمظلوم الأبي والصابر، تماما كما كانت إلى جانب المقاومة اللبنانية والمرأة اللبنانية أيام الاحتلال الصهيوني للبنان داعمة لها وما زالت حتى تحقق الانتصار الإلهي وخرج العدو الصهيوني من لبنان دون قيد او شرط، فكانت المرأة الإيرانية شريكة للمرأة اللبنانية في معركة التحرير وصد العدوان. وكذلك شريكة للمرأة السورية في الانتصار على العدوان العالمي والإرهاب التكفيري الداعشي.
فالمرأة الإيرانية واللبنانية والفلسطينية والسورية المقاومة تصنع التاريخ الحديث المبني على العدالة والكرامة والوحدة والمحبة والإخاء.
هذا ما أرادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إيصاله للعالم بعقدها ودعوتها “للمؤتمر الدولي الأول للنساء المؤثرات في دول العالم” وقد نجحت الجمهورية الإسلامية بنصفها الآخر أي المرأة الإيرانية بإيصال ما تريد من خلال نجاح هذا المؤتمر نجاحاً باهراً من كل النواحي، تنظيماً وإدارة وطرحاً للمواضيع الحساسة والهامة، ومن خلال جو الأخوة والمحبة الذي رعته السيدة الأولى السيدة “جميلة علم الهدى” لكل المشاركات، ومن خلال ما قامت به نائبة الرئيس لشؤون المرأة “أنسية خزعلي” من متابعة تفصيلية، مروراً بزوجات كافة المسؤولين اللاتي كان لهن دور أساسي وبارز في هذا المؤتمر والاهتمام بكافة المشاركات، ولا أنسى العناية الأخوية الخاصة التي أحاطت بها زوجة السفير الإيراني في لبنان السيدة نرجس أماني الوفد اللبناني من كل النواحي.
واللافت للنظر هو انعقاد مؤتمرين آخرين عن المرأة في نفس توقيت عقد هذا الموتمر هما: “مؤتمر المرأة الإيرانية المؤثرة” و “مؤتمر الاتحاد العالمي للنساء المسلمات” وهو ما يدل على اهتمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالمرأة بشكل عام وبالمرأة المسلمة بشكل خاص.
وأخيرا لا بد من الشكر فلقد سعدت جداً بهذه الدعوة وبالمرافقة والمؤاخاة والمؤازرة والتفضل، وقد تبين لنا على أرض الواقع سيدات ونساء المجتمع الإسلامي الإيراني الرهيف والحفيف بالصلاح والعفاف والتقوى والقدوة الحسنة، ونجاحهن وتفوقهن في كافة المجالات والإختصاصات العلمية والثقافية والتربوية والدعوية والتوعوية والطبية والصناعية وحتى التكنولوجية والنووية.
نعم هي مجتمع ضمن مجتمع متكامل ويتكامل مع بعضه البعض كالجسد الواحد، فشكراً لكن على كل ما قمتنَّ به، وإلى لقاء آخر مفعم بالإيمان والأخوة والمحبة والوئام، وفقنا الله وإياكن لما يحب ويرضى، ولعل هذا “المؤتمر الدولي الأول للنساء المؤثرات” كان حقيقة أولاً في كل شيء، في الرعاية والدراية والإحاطة والإهتمام، وفي حسن الضيافة وبشاشة الوجه، ونضارة ونصاعة الجبين ورقاقة القلب، وغيرها من الصفات والرؤى والمواقف المفعمة بالمحبة التي رأيناها جميعاً بأم العين.
* مسؤولة شؤون المرأة والأسرة في جبهة العمل المقاوم