إقليمية

تركيا – إسرائيل: أبعد من شراكة تقليدية

يبدو أنّ التقارب التركي – الإسرائيلي خرج من دائرة الحذر وجسّ النبض، وبات منطلقاً بحُرية في مديات بعيدة في العلاقات الثنائية، وفي ما خصّ القضايا الإقليمية، وهو ما يؤشّر إلى «حلف» جديد من شأنه أن ينعكس على المنطقة ككلّ

بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، إلى تركيا، في التاسع من آذار الماضي، يستعدّ وزيرا الدفاع والخارجية التركيان، خلوصي آقار، ومولود جاويش أوغلو، لزيارة الكيان، تحضيراً لزيارة سيجريها الرئيس رجب طيب إردوغان، ولوضع أسُس مشتركة لتحالفات جديدة في العديد من القضايا الإقليمية. وقد تجلّت فترة «الخطوبة» الحالية في موقفَين اثنين بارزَين من بين العديد من المواقف الأخرى: الأوّل، وصْف إردوغان العمليات الفلسطينية ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي بأنّها «شنيعة وإرهابية»؛ والثاني، امتناعه عن إطلاق الوصف نفسه على قتل قوات العدو 18 فلسطينياً، وجرح 400 آخرين، خلال شهر واحد فقط. أما الموقف من أحداث المسجد الأقصى، فتبدّى في اكتفاء إردوغان بالتعبير عن «أسفه الشديد» لمحاولات إسرائيل تغيير الوضع القانوني والمعنوي له، لتصبح كلمات الدعم للشعب الفلسطيني، والتصميم على الدفاع عن قضيته لزوم ما لا يلزم في قاموس الرئيس التركي.

في موازاة ذلك، تجلّى التقارب التركي مع إسرائيل، أخيراً، في دعوة دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية، التي يرأسها فخر الدين ألتون، سبعة صحافيين إسرائيليين، بين 11 و13 نيسان الجاري، إلى تركيا، حيث قاموا بجولة في كلّ من إسطنبول وأنقرة وأدرنة. وكانت محطّات زياراتهم يهودية بكلّ المقاييس، فقد زاروا كنيس أدرنة الكبير، وكنيس نيفي شالوم والمتحف اليهودي التركي في إسطنبول. وفي طريقهم، مرّوا على مسجد السليمية في أدرنة، وساحة السلطان أحمد في إسطنبول، وبعض الأماكن الأخرى. والتقى هؤلاء مسؤولي التلفزيون التركي الرسمي، ووكالة أنباء «الأناضول»، ومكتب الاستثمار في رئاسة الجمهورية، كما وزير الخارجية ونائب وزير الطاقة. ومن إشارات التقارب أيضاً، ما كتبه سفير تركيا في واشنطن، حسن مراد مرجان، في مجلّة إلكترونية يصدرها «مركز ديان للدراسات الاستراتيجية»، وتحمل اسم» تركيا سكوب»، وتتبع لجامعة تل أبيب. ويقول الكاتب التركي، فهمي قورو، إن مقالة مرجان تستحقّ القراءة، إلى درجة أنه يتساءل: «كيف لم تُنشر المقالة في كبريات الصحف العالمية، مثل «نيويورك تايمز»، أو «واشنطن بوست»، اللتين تتمنّيان نشر هذا النوع من المقالات، التي تتضمّن مثل تلك المواقف». لكن «الحكمة» من نشْر المقالة لأحد مؤسّسي «حزب العدالة والتنمية»، ورفيق دربٍ لإردوغان، في مجلّة إلكترونية في إسرائيل، كانت واضحة ولا تحتاج إلى منجّم مغربي: إنّها رسالة إلى إسرائيل بمسؤوليها ورأيها العام. بحسب مرجان، فإن «التقارب التركي – الإسرائيلي، عندما نأخذ في الاعتبار اللاعبين والاتجاهات المتضرّرة، يحمل معنى إضافياً أبعد من الشراكة التقليدية المرتبطة بمشكلات المنطقة»، مضيفاً أنّ «إسرائيل وتركيا توجدان في منطقة واحدة، وهما صاحبتا ميراث مشترك، وعلى الأقل لهما مستقبل مشترك». كذلك، يشير إلى أن «الشراكة التركية – الإسرائيلية ستكون مؤثّرة في تعطيل عمل الحركات التي تريد تخريب الاستقرار في الشرق الأوسط الواسع، وشمال أفريقيا». ويرى أن القضايا الخلافية بين تركيا وإسرائيل لن تنتهي في ليلة وضحاها، لافتاً، في الوقت ذاته، إلى أن «المصالح الجيواستراتيجية تملي شراكة وثيقة ومتعدّدة الجوانب». وتعقيباً على ذلك، يتساءل فهمي قورو: «هل نفهم من هذه الأسطر، أنها تقصد إيران كتهديد للمنطقة؟ الإجابة هي: نعم».

لا شكّ في أن للبلدين مصالح متعدّدة مشتركة، كلٌّ من زاويته، ولكن، في الوقت ذاته، فإن الإسرائيليين لا ينظرون إلى الرغبة التركية في التقارب، بعيداً من الأهداف الشخصية للرئيس التركي. صحيح أنه يتمّ التركيز، في وسائل الإعلام المؤيّدة لإردوغان، على مشاريع التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة والغاز، والتي لا تزال مجرّد مشاريع افتراضية، إلّا أن معظم المراقبين ينظرون إلى السلوك الشخصي للرئيس التركي، على أنه يستهدف كيفية الفوز في انتخابات الرئاسة، التي ستجرى في حزيران من العام المقبل، ذلك أن استطلاعات الرأي لا تزال تعطيه نسبة تصويت متدنّية. ويربط الجميع جانباً كبيراً من هذا التدنّي بتراجع الاقتصاد التركي وغرق المواطنين في مستنقع انهيار سعر صرف العملة، والغلاء الفاحش، والتراجُع الكبير في القدرة الشرائية.
من جهته، يرى هاي ايتان كوهين يانا روجاك، الباحث في «مركز أبحاث موشي ديان للشرق الأوسط وشمال أفريقيا» في جامعة تل أبيب، أن عملية التطبيع بين تركيا وإسرائيل تمرّ، على رغم التوتّر في القدس، بمرحلة «لطيفة جدّاً». ويقول، في حوار مع صحيفة «جمهورييات» التركية، إنه «إذا استثنينا فلسطين، فليس من مشكلة بين بلدينا». ويضيف أن «المشكلة هي في محاولة حركة حماس تخريب مسار التطبيع بين تركيا وإسرائيل». وبناءً عليه، يتوقّع يانا روجاك أن «يتراجع التوتّر مع اقتراب شهر رمضان من نهايته»، معتبراً أن «إعادة بناء الثقة هي الأساس، وهذه لا تتمّ خلال أيام أو أشهر، بل تحتاج إلى سنوات». بدوره، لا يتردّد الكاتب، أحمد طاش غيتيرين، في التساؤل، في مقالة لصحيفة «قرار» المعارِضة، عن سبب قبول إردوغان التطبيع مع إسرائيل، على رغم ممارساتها ضدّ الشعب الفلسطيني. ويسأل: «هل هو نتيجة الاعتقاد بضرورة رفع مستوى التصويت الشعبي لإردوغان على حساب الشعب الفلسطيني؟». ويقارن غيتيرين موقف إردوغان الساعي وراء الأصوات والمال، برفض السلطان عبد الحميد الثاني عرْض ثيودور هرتزل عليه لمنحه قطعة أرض لليهود في فلسطين، مقابل شطب ديون السلطنة العثمانية. حينها، ردّ السلطان عبد الحميد على العرض، قائلاً: «لن أبيع بالمال الأرض التي نالها أجدادي بالدم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *